کد مطلب:280383 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:244

اضواء علی الالقاءات الشیطانیة
كان الاختلاف فی الدین مقدمة لظهور الأحزاب والفرق التی أخلت بأمر الوحدة الدینیة، والاختلاف فی الدین سعی إلیه الشیطان منذ



[ صفحه 17]



اللحظة الأولی بعد أن شملته لعنة الله عندما رفض السجود لآدم، والشیطان قام ببناء منهجه لیعارض به مهمة الإنسان التی خلق من أجلها. وهو قوله تعالی: (وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون) [1] والمنهج الشیطانی یقوم علی عرقلة طریق العبادة. وقد بینه الله تعالی فی كتابه فقال: (قال رب بما أغویتنی لأزین لهم فی الأرض ولأغوینهم أجمعین إلا عبادك منهم المخلصین). [2] .

فالزینة التی أودعها الله فی الكون لتكون مدخلا للإیمان كما فی قوله تعالی: (أفلم ینظروا إلی السماء فوقهم كیف بنیناها وزیناها وما لها من فروج. والأرض مددناها وألقینا فیها رواسی وأنبتنا فیها من كل زوج بهیج تبصرة وذكری لكل عبد منیب) [3] وقوله: (قل من حرم زینة الله التی أخرج لعباده والطیبات من الرزق) [4] فهذه الزینة وغیرها. قام الشیطان بتزیینها لیكون هذا التزیین مادة للإغواء ثم للاحتناك علی طریق عبادة النجوم والكواكب وكافة الأرباب الأرضیة.

والزینة والإغواء یخاطبان فی الإنسان غرائزه. وعن طریقهما یتم إمداد الفرد بالطاقة العصبیة المذمومة للتعبیر عن هذه الغرائز، وتتوقف قوة الدفع حسب طبیعة الشئ الذی استمال الغریزة، ومع عملیة الدفع تبدأ الاتجاهات. والاتجاهات هی تنظیم مستمر لعملیات الدوافع والانفعالات والإدراك والمعرفة فیما یتعلق بناحیة معینة من عالم الفرد، وإذا كان الاتجاه الفطری قد غرست فیه معرفة الله عز وجل ومعرفة الخیر والشر، فإن تغییر هذا الاتجاه یكون نتیجة لمعلومات



[ صفحه 18]



جدیدة أفرزتها دائرة التزیین والإغواء. فعلی هذه المعلومات یتغذی الإنسان الضعیف فینقلب مزاجه، ویقصد بالمزاج مجموعة الخصائص الانفعالیة. أو بعبارة أخری مجموعة الصفات التی یتسم بها سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، ومع هذه الانقلابات تنشأ العواطف التی یقوم علیها صروح الحب فی غیر الله والعبادة لغیر الله. وفوق هذه الصروح تنقسم الحیاة الفعلیة وفوق هذا الانقسام یكون الاحتناك الشیطانی. وهو قوله تعالی: (قال أرأیتك هذا الذی كرمت علی، لئن أخرتن إلی یوم القیامة لاحتنكن ذریته إلا قلیلا، قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) [5] قال فی المیزان: والاحتناك فی الآیة: الالجام. وهو من قولهم: حنك الدابة بحبلها أی جعل فی حنكها الأسفل حبلا یقودها به. [6] فعلی طریق الاحتناك وهو طریق اللاعبادة واللادعوة واللاشعور.

تبرز القوافل التی علی عاتقها یكون تنفیذ البرنامج الشیطانی الذی یعارض به مهمة الإنسان فی الأرض. وهو قوله تعالی: (قال فبما أغویتنی لأقعدن لهم صراطك المستقیم) [7] قال فی المیزان: أی لأجلسن لأجلهم علی صراطك المستقیم وسبیلك السوی الذی یوصلهم إلیك وینتهی بهم إلی سعادتهم.. فالقعود علی الصراط المستقیم كنایة عن التزامه والترصد لعابریه لیخرجهم منه. [8] .

والشیطان لا یتمكن من إكراه الناس علی المعصیة. وإنما یدعو الناس إلی الضلال فقط. وهو قوله تعالی: (إن عبادی لیس لك علیهم سلطان إلا من أتبعك من الغاوین) [9] والشیطان نفسه سیعترف بعدم إكراه



[ صفحه 19]



الناس علی المعصیة یوم القیامة. وهو قوله تعالی: (وقال الشیطان لما قضی الأمر أن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم. وما كان لی علیكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لی فلا تلومونی ولوموا أنفسكم) [10] وكما ذكرنا أن مجال دعوة وعمل الشیطان هو أحاسیس الناس وعواطفهم ومشاعرهم، لإیجاد الدافع الذی یغیر الاتجاه بعیدا عن إتجاه الفطرة.

وجحافل الشیطان تكون أشد عنفا عند الذین آمنوا فی حیاة الأنبیاء. قال تعالی: (وكذلك جعلنا لكل نبی عدوا من المجرمین وكفی بربك هادیا ونصیرا) [11] قال فی المیزان: ومعنی جعل العدو من المجرمین أن الله جزاهم علی معاصیهم بالختم علی قلوبهم. فعاندوا الحق وأبغضوا الداعی إلیه وهو النبی [12] وقال تعالی: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبی. إلا إذا تمنی ألقی الشیطان فی أمنیته فینسخ الله ما یلقی الشیطان ثم یحكم آیاته والله علیم حكیم. لیجعل ما یلقی الشیطان فتنة للذین فی قلوبهم مرض والقاسیة قلوبهم وإن الظالمین لفی شقاق بعید). [13] .

قال فی المیزان: ومعنی الآیة. وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبی إلا إذا تمنی وقدر بعض ما یتمناه من توافق الأسباب علی تقدم دینه وإقبال الناس علیه وإیمانهم به، ألقی الشیطان فی أمنیته ووسوس للناس وهیج الظالمین وأغری المفسدین لیفسدوا الأمر علی ذلك الرسول أو النبی ویبطلوا سعیه، ولكن الله یزیل ما یلقی الشیطان ثم



[ صفحه 20]



یحكم آیاته بإنجاح سعی الرسول أو النبی وإظهار الحق. وقیل: والتمنی ربما جاء بمعنی القراءة والتلاوة. فیكون معنی الآیة علی هذا المعنی:

وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبی إلا إذا تلا وقرأ آیات الله ألقی الشیطان شبها مضللة علی الناس بالوسوسة لیجادلوه بها ویفسدوا علی المؤمنین إیمانهم، فیبطل الله ما یلقیه الشیطان من الشبه.


[1] سورة الذاريات آية 56.

[2] سورة الحجر آية 39.

[3] سورة ق آية 6.

[4] سورة الأعراف آية 32.

[5] سورة الإسراء آية 63.

[6] الميزان 144 / 13.

[7] سورة الأعراف آية 16.

[8] الميزان 31 / 8.

[9] سورة الحجر آية 42.

[10] سورة إبراهيم آية 22.

[11] سورة الفرقان آية 31.

[12] الميزان 205 / 15.

[13] سورة الحج آية 52 - 53.